بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله الذي منّ علينا من فيوض رحمته ، وأنوار هدايته ، وفتح علينا من بحور فضله بأنْ جعلنا به مؤمنين ، وله موحّدين ، وبشريعته مستمسكين ، وبهدي نبيّه مسترشدين .
وبعد ، فيا أيها الأحبة الكرام ، إنّ الطريقة التجانية ، ومن حيث كونها طريقة صوفية تستمدّ مبادئها وقيمها وتعاليمها من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ، حملت من الخصائص والصفات والمزايا ما يجعل منها طريقة إسلامية تحظى بالقبول الكبير ، والإنتشار الواسع رغم وجود المنكرين والمعترضين .كما كان للطريقة ـ ولا زال ـ في سياق هذا الإنتشار العالمي ، دور فعّال في مجال التربية الرّوحية ، وتمتين الروابط الإجتماعية ، والحفاظ على تماسك الأمّة ، والذود عن الدين ، بمنهج يرفض كل مظاهر الغلوّ والتطرف ، ويقوم على الوسطية والإعتدال ، والدّعوة إلى الله بالكلمة الطيّبة ، والموعظة الحسنة .
وفي حقيقة الأمر ، إنّ الكلام عن الإنتشار العالمي للطريقة التجانية يتطلّب أكثر من محاضرة . إنّه يتطلّب جهودا جماعية ومستمرّة ، وإمكانات متعدّدة ومتنوّعة للقيام ببحوث أكاديمية ، وميدانية أيضا ، لرصد هذه الظاهرة ، واستخلاص نتائج موضوعية ، ذلك أنّ هذا الموضوع ـ وبالإضافة إلى أهمّيته ـ فإنه تتداخل فيه عدّة جوانب دينية واجتماعية وتاريخية .
لذلك يجدر بي أن أنبّه إلى أنّ ما سيذكر في هذه المحاضرة ما هو إلآّ غيض من فيض ، نقدّم فيه ما مكننا الله سبحانه من جمعه ، لتقديم بعض الشواهد الدّالّة على أنّ هاته الطريقة قد أخذت الصبغة العالمية . ولعلّها تكون مناسبة تلفت نظر الأكفّاء من أهل الفضل والعلم لمواصلة البحث في هذا الموضوع ، خدمة للإسلام والمسلمين ، وإنصافا للحقيقة الموضوعية القائمة على الحجّة المنطقية المقنعة ، والتجربة العلمية الصحيحة .
I ـ انتشار الطّريقة : الزمان والمكان . الرجال وثمرة الجهود .
إنّ الكلام عن انتشار الطريقة يقتضي ـ في ما أرى ـ الكلام عن ناشريها ، والمَواطِن والأزمنة التي حدثت فيها عملية الإنتشار هاته قديما وحديثا . وفي السياق نفسه نعرض إلى بعض من هاتيك الثمار التي أفرزتها نشاطات التجانيين عبر العالم ، والبدء من الجزائر .
1 ـ إنتشار الطريقة في الجزائر .
إن الموطن الأم للطريقة التجانية هو الجزائر . فقد وُلِد مؤسس الطريقة ، الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بعين ماضي التابعة حاليا لولاية الأغواط بالقطر الجزائري ، سنة 1150 هـ ـ 1737 م ، وفيها تعلّم ، ومنها انطلق سائحا في الأرض ، طالبا العلم وناشرا له ،إلى أن وقع له الفتح الأعظم ، وأَذِنَ له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلقين هذه الطريقة . كان ذلك في عام 1196 هـ في قرية « أبي سمغون » قرب الشلالة بولاية البيّض بالقطر الجزائري . جاء في جواهر المعاني ما نصّه : « ثمّ رجع إلى قرية أبي سمغون وأقام بها واستوطن ، وفيها وقع له الإذن منه يقظة لا مناما بتربية الخلق على العموم والإطلاق »(1) .
ومن هنا كانت بداية الإنطلاق لانتشارها في أرض الجزائر ، والعالم أجمع . فقد أخذت الطريقة تنتشر في مسقط رأسه بعين ماضي بين آل بيته وذويه ، ثم بدأ هذا الإنتشار يعمّ مناطق كثيرة في الصحراء الجزائرية خاصّة ، ثمّ إلى بقية المناطق في أرض الجزائر .
ويعجز كاتب هذا الموضوع أن يحصي أسماء الرجال الذين عملوا على نشر تعاليم الطريقة في بلاد الجزائر ولا زالوا ، فضلا عن جهودهم ، لكنني سأكتفي بذكر بعض النماذج .
والبداية لا بد أن تكون بالكلام عن أبناء وحفدة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وعنهم . فمنهم العلاّمة سيدي محمد الجبيب وسيدي محمد الكبير إبنا الشيخ سيدي أحمد التجاني ، وسيدي أحمد عمّار بن سيدي محمد الحبيب رضي الله عنهم ، الذين كان لهم الدور العظيم في حمل لواء الطريقة ، والحفاظ على تماسك الأمة ، ورفض كل أنواع الظلم والمهانة . وفي سبيل ذلك سقط سيدي محمد الكبير رضوان الله عليه شهيدا في أرض « غريس » بولاية معسكر سنة 1238 هـ حين ثار ضدّ الأتراك « بعد أن استبدلوا القوانين التركية ، وقدّموها على الأحكام الشرعية . وسجن سيدي أحمد عمّار ، وأُبعِدَ إلى الجزائر العاصمة ، ثم نقِلَ إلى سجون فرنسا ، لأنه كان يقوم بتحركات ضدّ الإستعمار أرهبت فرنسا ، وخشيت من أن يعلن الحرب ضدّها » (2). ومنهم ، من المتأخّرين ن سيدي محمد الحبيب بن سيدي محمود رضي الله عنه المتوفّى سنة 1983 م ، والذي كان له الدور الكبير في الإصلاح والتربية في نطاق الإسلام بإفريقيا وغيرها .وسيدي علي بن سيدي محمود رضي الله عنه ـ الخليفة ـ الذي زار محبّيه ومريديه بتسع دول إفريقية هي : موريتانيا ،السنغال ، غينيا كوناكري ، ساحل العاج ، نيجيريا ، النيجر ، مالي ، مصر ، والسودان .، وذلك عامي 1985 م ـ 1987 م .
كذلك حفيد الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، سيدي الحاج بن عمر التجاني الجزائري « الذي خرج من عين ماضي سنة 1948 م ، مع أربعة أنفار ، لمواصلة نشر الإسلام وتجديده . وبقي هناك مجاهدا باللسان والقلم ثلاث سنوات » (3) . وقد زار قرابة العشرين دولة ، فنشر العلم ، ودعا إلى التّحلّي بالأخلاق الحميدة ، وألّف بين الناس ، وفتح الله على يديه بأن دخل إلى الإسلام مئات الألوف .
ولقد قام الخليفة العام الراحل سيدي عبد الجبّار رضي الله عنه ، ولا زال أهل هاته الدار العظيمة ، وبإشراف مبارك من الخليفة العام الحالي للطريقة التجانية سيدي الحاج أمحمَّدْ رضي الله عنه ، وبارك الله في أيامه ، بجهود عظيمة في إعادة إعمار الزاوية وتجديدها ، وبناء المسجد ، ومراكز تعليم القرآن ونشر العلم ، والإعتناء بأمور الطريقة والقيام على خدمتها . وفّقهم الله وسدد خطاهم .
وحين نعرّج على الديار التماسينية ـ نسبة إلى تماسين ـ فإنه يجب أن نقف بإجلال وإكبار أمام عظمة ذلك الرجل العالم العارف بالله ، خادم الإسلام بخدمته للطريقة ، القطب الخليفة سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه . فلقد التقى الشيخَ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بعين ماضي سنة 1204 هـ ـ 1789 م ، وأَذِنَ له بتأسيس الزاوية سنة 1217 هـ ـ 1803 م بتماسين .
وبعد وفاة الشيخ قام بأعباء الخلافة . قال فيه شيخه مادحا : « وأين مثل التماسيني يا مسكين » (4) . كان رجل حضارة بحق ، عالم ، عابد ، عامل ، رفع شعارا لخّص عناصر الرقي والتقدم للإنسان : « اللويحة والمسيحة والسبيحة » .
قام في حياته بأعمال جليلة . فلقد نفّذ وصية شيخه بأن أعاد إبنّيّ الشيخ إلى عين ماضي ، ودافع عن مدينة تماسين بوقوفه في وجه ابن جلاّب ، وجلب كثيرا من العلماء وحفاظ القرآن لنشر العلم وتعليم كتاب الله ، وبنى المدارس القرآنية ، وشجّع المتفوّقين والناجحين ، وأجاز كثيرا من المقدّمين لنشر الطريقة على نطاق واسع داخل البلاد وخارجها .
ولأنه كان رجلا عمليا ، فقد ترك للزاوية ثروة اقتصادية هائلة تمثّلت في أربعة عشرة ألف نخلة . توفيّ رضي الله عنه سنة 1844 م ، وترك من بعده مريدين كثيرين ، ورجالا حملوا لواء الطريقة ، وتفانوا في خدمة الإسلام بخدمتهم إياها ، منهم الخليفة الحالي سيدي محمد العيد رضي الله عنه ، الأستاذ الدكتور ، الذي يواصل السير على نهج أسلافه ، في خدمة الطريقة ، وإعمار الزاوية ومسجدها ، وبناء مراكز لطلب العلم ونشره كالمكتبة والمدرسة القرآنية ، ونجده في كل جلساته مع مريديه ـ وخاصة الشباب منهم ـ داعيا إلى الإعلاء من قيمة العلم والإجتهاد في طلبه ، والمسايرة الممنهجة والواعية لروح العصر والتقدّم الحاصل في العالم .
ومن الشخصيات الجزائرية البارزة التي أخذت بتعاليم الطريقة نجد سيدي محمد بن المشري السائحي رضي الله عنه ، وهو من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه ، وله مؤلفات أشهرها كتاب الجامع . وكان قد انتقل من فاس إلى الصحراء الجزائرية ناشرا الطريقة هناك .
ومن الشخصيات الأخرى ، سيدي محمد الساسي القماري ، وسيدي أحمد بن سليمان التغزوتي ، وسيدي أحمد بن سالم بن يامّه السوفي ، وسيدي علي بن لخضر الأغواطي ، وسيدي محمد العربي الدمراوي ، والعالم الجليل ، صاحب المؤلفات العديدة سيدي محمود بن المطماطية ، وشاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة . ومن المعاصرين سيدي احمَيْده يمبعي حفيد التماسيني رضي الله عنه ، وبارك لنا في أيامه ، والأستاذ الدكتور عبد الرحمن طالب أيّده الله
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله الذي منّ علينا من فيوض رحمته ، وأنوار هدايته ، وفتح علينا من بحور فضله بأنْ جعلنا به مؤمنين ، وله موحّدين ، وبشريعته مستمسكين ، وبهدي نبيّه مسترشدين .
وبعد ، فيا أيها الأحبة الكرام ، إنّ الطريقة التجانية ، ومن حيث كونها طريقة صوفية تستمدّ مبادئها وقيمها وتعاليمها من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ، حملت من الخصائص والصفات والمزايا ما يجعل منها طريقة إسلامية تحظى بالقبول الكبير ، والإنتشار الواسع رغم وجود المنكرين والمعترضين .كما كان للطريقة ـ ولا زال ـ في سياق هذا الإنتشار العالمي ، دور فعّال في مجال التربية الرّوحية ، وتمتين الروابط الإجتماعية ، والحفاظ على تماسك الأمّة ، والذود عن الدين ، بمنهج يرفض كل مظاهر الغلوّ والتطرف ، ويقوم على الوسطية والإعتدال ، والدّعوة إلى الله بالكلمة الطيّبة ، والموعظة الحسنة .
وفي حقيقة الأمر ، إنّ الكلام عن الإنتشار العالمي للطريقة التجانية يتطلّب أكثر من محاضرة . إنّه يتطلّب جهودا جماعية ومستمرّة ، وإمكانات متعدّدة ومتنوّعة للقيام ببحوث أكاديمية ، وميدانية أيضا ، لرصد هذه الظاهرة ، واستخلاص نتائج موضوعية ، ذلك أنّ هذا الموضوع ـ وبالإضافة إلى أهمّيته ـ فإنه تتداخل فيه عدّة جوانب دينية واجتماعية وتاريخية .
لذلك يجدر بي أن أنبّه إلى أنّ ما سيذكر في هذه المحاضرة ما هو إلآّ غيض من فيض ، نقدّم فيه ما مكننا الله سبحانه من جمعه ، لتقديم بعض الشواهد الدّالّة على أنّ هاته الطريقة قد أخذت الصبغة العالمية . ولعلّها تكون مناسبة تلفت نظر الأكفّاء من أهل الفضل والعلم لمواصلة البحث في هذا الموضوع ، خدمة للإسلام والمسلمين ، وإنصافا للحقيقة الموضوعية القائمة على الحجّة المنطقية المقنعة ، والتجربة العلمية الصحيحة .
I ـ انتشار الطّريقة : الزمان والمكان . الرجال وثمرة الجهود .
إنّ الكلام عن انتشار الطريقة يقتضي ـ في ما أرى ـ الكلام عن ناشريها ، والمَواطِن والأزمنة التي حدثت فيها عملية الإنتشار هاته قديما وحديثا . وفي السياق نفسه نعرض إلى بعض من هاتيك الثمار التي أفرزتها نشاطات التجانيين عبر العالم ، والبدء من الجزائر .
1 ـ إنتشار الطريقة في الجزائر .
إن الموطن الأم للطريقة التجانية هو الجزائر . فقد وُلِد مؤسس الطريقة ، الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بعين ماضي التابعة حاليا لولاية الأغواط بالقطر الجزائري ، سنة 1150 هـ ـ 1737 م ، وفيها تعلّم ، ومنها انطلق سائحا في الأرض ، طالبا العلم وناشرا له ،إلى أن وقع له الفتح الأعظم ، وأَذِنَ له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلقين هذه الطريقة . كان ذلك في عام 1196 هـ في قرية « أبي سمغون » قرب الشلالة بولاية البيّض بالقطر الجزائري . جاء في جواهر المعاني ما نصّه : « ثمّ رجع إلى قرية أبي سمغون وأقام بها واستوطن ، وفيها وقع له الإذن منه يقظة لا مناما بتربية الخلق على العموم والإطلاق »(1) .
ومن هنا كانت بداية الإنطلاق لانتشارها في أرض الجزائر ، والعالم أجمع . فقد أخذت الطريقة تنتشر في مسقط رأسه بعين ماضي بين آل بيته وذويه ، ثم بدأ هذا الإنتشار يعمّ مناطق كثيرة في الصحراء الجزائرية خاصّة ، ثمّ إلى بقية المناطق في أرض الجزائر .
ويعجز كاتب هذا الموضوع أن يحصي أسماء الرجال الذين عملوا على نشر تعاليم الطريقة في بلاد الجزائر ولا زالوا ، فضلا عن جهودهم ، لكنني سأكتفي بذكر بعض النماذج .
والبداية لا بد أن تكون بالكلام عن أبناء وحفدة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وعنهم . فمنهم العلاّمة سيدي محمد الجبيب وسيدي محمد الكبير إبنا الشيخ سيدي أحمد التجاني ، وسيدي أحمد عمّار بن سيدي محمد الحبيب رضي الله عنهم ، الذين كان لهم الدور العظيم في حمل لواء الطريقة ، والحفاظ على تماسك الأمة ، ورفض كل أنواع الظلم والمهانة . وفي سبيل ذلك سقط سيدي محمد الكبير رضوان الله عليه شهيدا في أرض « غريس » بولاية معسكر سنة 1238 هـ حين ثار ضدّ الأتراك « بعد أن استبدلوا القوانين التركية ، وقدّموها على الأحكام الشرعية . وسجن سيدي أحمد عمّار ، وأُبعِدَ إلى الجزائر العاصمة ، ثم نقِلَ إلى سجون فرنسا ، لأنه كان يقوم بتحركات ضدّ الإستعمار أرهبت فرنسا ، وخشيت من أن يعلن الحرب ضدّها » (2). ومنهم ، من المتأخّرين ن سيدي محمد الحبيب بن سيدي محمود رضي الله عنه المتوفّى سنة 1983 م ، والذي كان له الدور الكبير في الإصلاح والتربية في نطاق الإسلام بإفريقيا وغيرها .وسيدي علي بن سيدي محمود رضي الله عنه ـ الخليفة ـ الذي زار محبّيه ومريديه بتسع دول إفريقية هي : موريتانيا ،السنغال ، غينيا كوناكري ، ساحل العاج ، نيجيريا ، النيجر ، مالي ، مصر ، والسودان .، وذلك عامي 1985 م ـ 1987 م .
كذلك حفيد الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، سيدي الحاج بن عمر التجاني الجزائري « الذي خرج من عين ماضي سنة 1948 م ، مع أربعة أنفار ، لمواصلة نشر الإسلام وتجديده . وبقي هناك مجاهدا باللسان والقلم ثلاث سنوات » (3) . وقد زار قرابة العشرين دولة ، فنشر العلم ، ودعا إلى التّحلّي بالأخلاق الحميدة ، وألّف بين الناس ، وفتح الله على يديه بأن دخل إلى الإسلام مئات الألوف .
ولقد قام الخليفة العام الراحل سيدي عبد الجبّار رضي الله عنه ، ولا زال أهل هاته الدار العظيمة ، وبإشراف مبارك من الخليفة العام الحالي للطريقة التجانية سيدي الحاج أمحمَّدْ رضي الله عنه ، وبارك الله في أيامه ، بجهود عظيمة في إعادة إعمار الزاوية وتجديدها ، وبناء المسجد ، ومراكز تعليم القرآن ونشر العلم ، والإعتناء بأمور الطريقة والقيام على خدمتها . وفّقهم الله وسدد خطاهم .
وحين نعرّج على الديار التماسينية ـ نسبة إلى تماسين ـ فإنه يجب أن نقف بإجلال وإكبار أمام عظمة ذلك الرجل العالم العارف بالله ، خادم الإسلام بخدمته للطريقة ، القطب الخليفة سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه . فلقد التقى الشيخَ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بعين ماضي سنة 1204 هـ ـ 1789 م ، وأَذِنَ له بتأسيس الزاوية سنة 1217 هـ ـ 1803 م بتماسين .
وبعد وفاة الشيخ قام بأعباء الخلافة . قال فيه شيخه مادحا : « وأين مثل التماسيني يا مسكين » (4) . كان رجل حضارة بحق ، عالم ، عابد ، عامل ، رفع شعارا لخّص عناصر الرقي والتقدم للإنسان : « اللويحة والمسيحة والسبيحة » .
قام في حياته بأعمال جليلة . فلقد نفّذ وصية شيخه بأن أعاد إبنّيّ الشيخ إلى عين ماضي ، ودافع عن مدينة تماسين بوقوفه في وجه ابن جلاّب ، وجلب كثيرا من العلماء وحفاظ القرآن لنشر العلم وتعليم كتاب الله ، وبنى المدارس القرآنية ، وشجّع المتفوّقين والناجحين ، وأجاز كثيرا من المقدّمين لنشر الطريقة على نطاق واسع داخل البلاد وخارجها .
ولأنه كان رجلا عمليا ، فقد ترك للزاوية ثروة اقتصادية هائلة تمثّلت في أربعة عشرة ألف نخلة . توفيّ رضي الله عنه سنة 1844 م ، وترك من بعده مريدين كثيرين ، ورجالا حملوا لواء الطريقة ، وتفانوا في خدمة الإسلام بخدمتهم إياها ، منهم الخليفة الحالي سيدي محمد العيد رضي الله عنه ، الأستاذ الدكتور ، الذي يواصل السير على نهج أسلافه ، في خدمة الطريقة ، وإعمار الزاوية ومسجدها ، وبناء مراكز لطلب العلم ونشره كالمكتبة والمدرسة القرآنية ، ونجده في كل جلساته مع مريديه ـ وخاصة الشباب منهم ـ داعيا إلى الإعلاء من قيمة العلم والإجتهاد في طلبه ، والمسايرة الممنهجة والواعية لروح العصر والتقدّم الحاصل في العالم .
ومن الشخصيات الجزائرية البارزة التي أخذت بتعاليم الطريقة نجد سيدي محمد بن المشري السائحي رضي الله عنه ، وهو من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه ، وله مؤلفات أشهرها كتاب الجامع . وكان قد انتقل من فاس إلى الصحراء الجزائرية ناشرا الطريقة هناك .
ومن الشخصيات الأخرى ، سيدي محمد الساسي القماري ، وسيدي أحمد بن سليمان التغزوتي ، وسيدي أحمد بن سالم بن يامّه السوفي ، وسيدي علي بن لخضر الأغواطي ، وسيدي محمد العربي الدمراوي ، والعالم الجليل ، صاحب المؤلفات العديدة سيدي محمود بن المطماطية ، وشاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة . ومن المعاصرين سيدي احمَيْده يمبعي حفيد التماسيني رضي الله عنه ، وبارك لنا في أيامه ، والأستاذ الدكتور عبد الرحمن طالب أيّده الله
محمد إقبال(الاردن)